فإن السحر من الجرائم العظيمة ، ومن أنواع الكفر ...
فالسحر سمي سحراً ؛ لأن أسبابه خفية ...
ولهذا يسمى آخر الليل : سحراً . لأنه يكون في آخره عند غفلة الناس وقلة حركتهم ...
ومعناه في الشرع :
ما يتعاطاه السحرة من التخييل والتلبيس الذي يعتقده المشاهد حقيقة وهو ليس بحقيقة ...
... قال سبحانه : {{وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ }}
يعني : بإذنه الكوني القدري لا بإذنه الشرعي
فالشرع يمنعهم من ذلك ويحرم عليهم ذلك ، لكن بالإذن القدري
الذي مضى به علم الله وقدره السابق أنه يقع من فلان السحر ، ويقع من فلانة ...
... وقال سبحانه : {{ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي
أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا
إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ }}
فهذه الشرور التي قد تقع من السحرة ومن غيرهم
لا تقع عن جهل من ربنا فهو العالم بكل شيء سبحانه وتعالى ...
ولكن له الحكمة البالغة ، والغايات المحمودة ...
والصحيح عند أهل العلم :
أن الساحر يقتل بغير استتابة . لعظم شره وفساده ...
... فقد يدعي أنه تائب وهو يكذب ، فيضر الناس ضررا عظيما ...
ولهذا ثبت عن عمر أنه كتب إلى أمراء الأجناد
أن يقتلوا كل من وجدوا من السحرة ...
وهكذا صح عن حفصة أنها قتلت جارية لها ، لما علمت أنها تسحر ...
وهكذا جندب بن عبد الله رضي الله عنه الصحابي الجليل لما رأى ساحرا يلعب برأسه
- يقطع رأسه ويعيده ، يخيل على الناس بذلك -
أتاه من جهة لا يعلمها فقتله ، وقال : (أعد رأسك إن كنت صادقا) ...
... ومن أصيب بالسحر ليس له إن يتداوى بالسحر
فإن الشر لا يزال بالشر ، والكفر لا يزال بالكفر
وإنما يزال الشر بالخير
ولهذا لما سئل عليه الصلاة والسلام عن النشرة قال : {هي من عمل الشيطان }
والنشرة المذكورة في الحديث : هي حل السحر عن المسحور بالسحر
... لكن لا مانع والحمد لله من علاج المسحور بالقراءة وبالتعوذات الشرعية ...
... وليس من اللازم أن يشفى . لأنه ما كل مريض يشفى
فقد يعالج المريض فيشفى إذا كان الأجل مؤخرا
وقد لا يشفى ويموت في هذا المرض ... لقول الله تعالى :
{{ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا }}
...كذلك هذا الذي أصيب بالسحر قد يكتب الله له الشفاء
وقد لا يكتب له الشفاء ؛ ابتلاء وامتحانا
وقد يكون لأسباب أخرى الله يعلمها جل وعلا
منها : أنه قد يكون الذي عالجه ليس عنده العلاج المناسب لهذا الداء
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
{ لكل داء دواء ، فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله عز وجل }
...وقد يعافي الله المريض والمسحور وغيرهما بغير الرقية
وبغير أسباب من الإنسان
لأنه سبحانه هو القادر على كل شيء ، وله الحكمة البالغة في كل شيء
وقد قال سبحانه في كتابه الكريم : {{ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }}
فله سبحانه الحمد والشكر على كل ما يقضيه ويقدره ...
ومن المهم جدا أن يكون المُعَالِج والمُعَالَج
عندهما إيمان صادق وعندهما ثقة بالله ...
فالواجب على من سمع من أهل العلم أن يبلغ الفائدة التي عقلها وفهمها
وليحذر أن يبلغ ما لم يعقل وما لم يفهم
لأن بعض الناس قد يبلغ أشياء يغلط فيها فيكون كاذبا ومضرا بمن بلَّغ عنه وبالمُبَلَّغين
فلا يجوز له التبليغ إلا عن علم ...
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لابن باز
( الجزء الثامن / 65-74 ) ملخصاً
سؤال :...وماذا يفعل من يظن أنه قد سُحِر . . ؟
أفيدونا أفادكم الله
جواب :...وهكذا إذا وجد ما فعله الساحر من تعقيد الخيوط
أو ربط المسامير بعضها ببعض أو غير ذلك فإن ذلك يُتلف ...
...وتارة يعالج السحر بالقراءة
سواء كان ذلك بقراءة المسحور نفسه ، إذا كان عقله سليما
وتارة بقراءة غيره عليه ، فينفث عليه في صدره أو في أي عضو من أعضائه
ويقرأ عليه
الفاتحة
وآية الكرسي
( و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ )
والمعوذتين
وآيات السحر المعروفة من سورة الأعراف ، وسورة يونس ، وسورة طه
فمن سورة الأعراف قوله تعالى :
{{ وَأَوْحَيْنَآ إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِي عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117)
فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118)
فَغُلِبُوا هُنَالِك وانقَلَبُوا صَاغِرِينَ }}
ومن سورة يونس قوله سبحانه :
{{ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (79)
فَلَمَّا جَآءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَآ أَنْتُمْ مُلْقُونَ (80)
فَلَمَّآ أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَآ جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ
إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81)
وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (82) }}
ومن سورة طه قوله سبحانه :
{{ قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّآ أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65)
قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66)
فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67)
قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68)
وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) }}
ويقرأ أيضا سورة
{{ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ }} إلى آخرها
وسورة
{{ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ }} و {{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ }} و {{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ }}
والأولى أن يكرر سورة {{ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ }} والمعوذتين ثلاث مرات
ثم يدعو له بالشفاء :
{ اللهم رب الناس
أذهب البأس
واشف أنت الشافي
لا شفاء إلا شفاؤك
شفاءً لا يغادر سقما }
ويكرر هذا ثلاثا
وهكذا يرقيه بقوله :
{ بسم الله أرقيك
من كل شيء يؤذيك
ومن شر كل نفس أو عين حاسد ، الله يشفيك
بسم الله أرقيك }
ويكررها ثلاثا
ويدعو له بالشفاء والعافية
وإن قال في رقيته :
{ أعيذك بكلمات الله التامات من شر ما خلق }
وكررها ثلاثا فحسن ، كل هذا من الدواء المفيد
...وإن قرأ هذه الرقية والدعاء في ماء ثم شرب منه المسحور واغتسل بباقيه
كان هذا من أسباب الشفاء والعافية بإذن الله
وإن جعل في الماء سبع ورقات من السدر الأخضر بعد دقها
كان هذا أيضا من أسباب الشفاء
وقد جرب هذا كثيرا ونفع الله به ، وقد فعلناه مع كثير من الناس فنفعهم الله بذلك ...
...سواء قرأه على نفسه أو قرأه عليه غيره أو قرأه في ماء ثم شرب منه واغتسل بالباقي
كل هذا نافع بإذن الله للمسحور والمحبوس عن زوجته
وهذه من الأسباب ، والله سبحانه وتعالى هو الشافي وحده ...