يجيب على هذه الفتوى الدكتور عبدالله سمك: يُكره أداء
صلاة نافلة بعد صلاة العصر على الصحيح من أقوال العلماء، فقد ذَهَبَ
الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ عَدَدَ
أوقات الكراهة ثَلاَثَةٌ: عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى أَنْ تَرْتَفِعَ
بِمِقْدَارِ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ، وَعِنْدَ اسْتِوَائِهَا فِي وَسَطِ
السَّمَاءِ حَتَّى تَزُول، وَعِنْدَ اصْفِرَارِهَا بِحَيْثُ لاَ تُتْعِبُ
الْعَيْنَ فِي رُؤْيَتِهَا إِلَى أَنْ تَغْرُبَ.
وَاسْتَثْنَى
الشَّافِعِيَّةُ الصَّلاَةَ بِمَكَّةَ وَيَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَنَهَى
رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلاَةِ فِي
تِلْكَ السَّاعَاتِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ عَدَدَ
أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ اثْنَانِ: عِنْدَ الطُّلُوعِ وَعِنْدَ
الاِصْفِرَارِ، أَمَّا وَقْتُ الاِسْتِوَاءِ فَلاَ تُكْرَهُ الصَّلاَةُ
فِيهِ عِنْدَهُمْ، وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ عَمَل أَهْل الْمَدِينَةِ،
فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ فِي وَقْتِ الاِسْتِوَاءِ، وَعَمَل أَهْل
الْمَدِينَةِ حُجَّةٌ عِنْدَ مَالِكٍ؛ لأِنَّ الْمَدِينَةَ مَوْطِنُ
الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، وَالْوَحْيُ
كَانَ يَنْزِل بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ، فَلَوْ صَحَّ حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ
نَافِعٍ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ فِيمَا بَعْدُ، وَالَّذِي يَدُل عَلَى
النَّهْيِ فِي وَقْتِ الاِسْتِوَاءِ، لَعَمِلُوا بِهِ.
أَمَّا
السُّنَنُ، فَقَدْ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إِلَى
كَرَاهَتِهَا لِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: ثَلاَثُ سَاعَاتٍ كَانَ
رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَانَا أَنْ
نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ
تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ
الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيل الشَّمْسُ، وَحِينَ تُضَيَّفُ الشَّمْسُ
لِلْغُرُوبِ - أَيْ حِينَ تَمِيل - حَتَّى تَغْرُبَ.
وَالْمُرَادُ
بِقَبْرِ الْمَوْتَى فِي الْحَدِيثِ صَلاَةُ الْجِنَازَةِ، لاَ الدَّفْنُ،
فَإِنَّ الدَّفْنَ فِي هَذِهِ الأْوْقَاتِ غَيْرُ مَكْرُوهٍ.
وَعَنْ
مَالِكٍ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا إِبَاحَةُ السُّنَنِ فِي هَذِهِ
الأْوْقَاتِ، إِلاَّ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ فَإِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ
عِنْدَهُ، وَالثَّانِيَةُ: كَرَاهَةُ السُّنَنِ مُطْلَقًا فِي هَذِهِ
الأْوْقَاتِ.
وَحُجَّتُهُ عَلَى الرِّوَايَةِ الأْولَى: أَنَّهُ
وَرَدَ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ دَلِيلاَنِ مُتَعَارِضَانِ يُمْكِنُ
الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا (أَحَدُهُمَا) حَدِيثُ عُقْبَةَ الْمَارُّ ذِكْرُهُ،
وَالَّذِي يَدُل عَلَى كَرَاهَةِ الصَّلاَةِ أَيَّ صَلاَةٍ كَانَتْ فِي
هَذِهِ الأْوْقَاتِ.
(ثَانِيهِمَا) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنِ الصَّلاَةِ أَوْ غَفَل
فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا، فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَدُل عَلَى
جَوَازِ الصَّلاَةِ فِي كُل وَقْتٍ عِنْدَ التَّذَكُّرِ. وَأَشَارَ ابْنُ
رُشْدٍ إِلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ، بِأَنْ
نَسْتَثْنِيَ مِنَ الصَّلَوَاتِ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ
السُّنَنَ، وَيَكُونُ النَّهْيُ مُنَصَّبًا عَلَى الْفَرَائِضِ، أَمَّا
السُّنَنُ فَلَيْسَتْ مَنْهِيًّا عَنْهَا.
وَحُجَّةُ مَالِكٍ عَلَى
الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ، وَهِيَ كَرَاهَةُ السُّنَنِ فِي هَذِهِ
الأْوْقَاتِ: حَدِيثُ عُقْبَةَ الَّذِي يَدُل عَلَى كَرَاهَةِ الصَّلاَةِ
مُطْلَقًا فِيهَا.
وَأَجَازَ الشَّافِعِيَّةُ صَلاَةَ الْكُسُوفِ
وَتَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ إِذَا دَخَل الْمَسْجِدَ لاَ لِغَرَضِ أَنْ
يُصَلِّيَهَا، بِأَنْ دَخَل الْمَسْجِدَ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ، ثُمَّ صَلَّى
تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ.
وَأَجَازَ الْحَنَابِلَةُ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ.