الوكاء الأسلم
في فقه حديث بيع السلم
أوَّلاً: نصُّ الحديث:
عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَدِينَةَ وَالنَّاسُ يُسْلِفُونَ فِي الثِّمَارِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ، فَقَالَ: «مَنْ أَسْلَفَ فِي تَمْرٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ»، رواه الجماعة(١).
ثانيًا: ترجمة راوي الحديث:
هو أبو العبَّاس عبد الله بن عبَّاس بن عبد المطَّلب الهاشمي القرشي، ابن عمِّ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وأمُّه لبابة الكبرى بنت الحارث بن حزنٍ الهلالية رضي الله عنها، وهو ابن خالة خالد بن الوليد.
وُلد عبد الله بن عبَّاسٍ بمكَّة بالشعب في سني الحصار الثلاث، والرسول صلَّى الله عليه وسلَّم والمسلمون محاصَرون فيه، وقُبض النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو ابن ثلاثة عشر سنةً، واشتهر فقهُه وإمامته في العلم، وكان يسمَّى «البحر» لسَعَة علمه ويسمَّى «حبر الأمَّة» ببركة ودعوة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، كما في الصحيحين عنه رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم دخل الخلاء، فوضعتُ له وَضوءًا، قال: «مَنْ وَضَعَ هَذَا ؟» فأُخبر، فقال: «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»، وفي روايةٍ من حديث سعيد بن جبيرٍ قال: «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ».
وكان عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه يُدْنِيه في مجلسه، ويستعين بعلمه الوافر الغزير وبعقله الناضج الكبير، واستعمله عليُّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه على البصرة فبقي عليها أميرًا، ثمَّ فارقها قبل مقتل عليِّ بن أبي طالبٍ، وعاد إلى الحجاز، وشهد مع عليٍّ صِفِّين، وكان أحد الأمراء فيها، وكانت وفاته بالطائف في آخر أيَّام ابن الزبير سنة ثمانٍ وستِّين (٦٨ﻫ-٦٨٧م) وهو ابن سبعين (٧٠) سنة، بعد أن كُفَّ بصرُه، وصلَّى عليه محمَّد بن الحنفية(٢).
وابن عبَّاسٍ أحد المكثرين من رواية الحديث، وله في كتب الحديث (١٦٦٠)، وهو أيضًا أحد العبادلة(٣) الذين تأخَّرت وفاتهم حتى احتيج إلى علمهم(٤).
ثالثًا: غريب الحديث:
- السَّلَم لغةً: هو السلف وزنًا ومعنًى.
قال الأزهري: كلُّ ما قدَّمْتَه من ثمنِ سلعةٍ مضمونةٍ، اشتريتَها بصفةٍ، فهو سلفٌ(٥).
وقال السمرقندي: السَّلَم لغةً: عقدٌ يثبت به الملك في الثمن عاجلًا، وفي المثمن آجلًا.
يسمَّى: سَلَمًا، إسلامًا، سلفًا، وإسلافًا(٦).
وسُمِّي سلَمًا لتسليم رأس المال في المجلس، وسلفًا لتقديمه، وهما لغتان، ﻓ: «السَّلَم» لغة أهل الحجاز، و «السلف» لغة أهل العراق(٧).
- السَّلَم اصطلاحًا: هو عقدٌ على موصوفٍ في الذمَّة ببدلٍ يعطى عاجلًا، أو أنه تسليم عوضٍ حاضرٍ في عوضٍ موصوفٍ في الذمَّة إلى أجلٍ، أو هو عقدٌ على موصوفٍ بذمَّةٍ مؤجَّلٍ بثمنٍ مقبوضٍ بمجلس العقد(٨).
- قوله: «السنةَ والسنتين»: منصوبٌ على نزع الخافض: أي إلى السنة والسنتين، أو منصوبٌ على المصدر.
- قوله: «مَنْ أَسْلَفَ فِي تَمْرٍ»: بالمثنَّاة الفوقية، هكذا في أكثر الأصول، وفي بعضها «ثَمَرٍ» بالمثلَّثة وهي بها أعمُّ(٩).
- قوله: «وَوَزْنٍ مَعْلِومٍ»: فالواو بمعنى «أو»، والمقصود اعتبار الكيل فيما يُكال والوزن فيما يُوزن، لأنَّ حمل الواو على ظاهرها، بمعنى الاشتراك والجمع، يلزم منه أن يجمع في الشيء الواحد من المُسلَم فيه كيلًا ووزنًا، الأمر الذي يمنع من صحَّة السَّلَم، وقيل: بتقدير الشرط أي: في كيلٍ معلومٍ إن كان كيليًّا، ووزنٍ معلومٍ إن كان وزنيًّا، أو من أسلف في مكيلٍ فلْيُسلف في كيلٍ معلومٍ، ومن أسلف في موزونٍ فلْيُسلف في وزنٍ معلومٍ(١٠).
- وقوله: «والناس يُسلفون في الثمار»: جملةٌ حاليةٌ.
رابعًا: المعنى الإجمالي للحديث:
أباح الشارع الحكيم بيع السَّلَم لما فيه من التوسعة ودفع الحرج عن المُسْلِم والمُسْلَم إليه، حيث يرتفق المُسلَم إليه برأس المال المعجَّل فيُنفقه في مصالحه فتندفع به حاجته الحاضرة، ويرتفق المُسلِم بالرخص، فيربح الفرق بين قيمة المبيع والبيع المطلق، لذلك أقرَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم هذه المعاملة بعد قدومه إلى المدينة مهاجرًا، وقيَّدها بشروطٍ وأحكامٍ تمثَّلت في انضباط القدر في المكيال والميزان، وتحديدٍ في المدَّة حسمًا للخلاف والنزاع، ودفعًا للمشاجرة والخصام المترتِّب غالبًا على طول المدَّة في الأجل وانعدام الضبط في القدر.
فكانت مشروعية السَّلَم تيسيرًا وتوسعةً على الناس، وتحقيقًا لمصلحةٍ اقتصاديةٍ وماليةٍ للطرفين معًا، فلولا ذلك لعمَّ الضيق والحرج كثيرًا من الناس.
خامسًا: الفوائد والأحكام المستنبطة من الحديث:
تتجلَّى فوائد وأحكام هذا الحديث فيما يلي:
١- فيه دليلٌ على مشروعية عقد السَّلَم في الجملة، وهو مجمعٌ عليه من غير خلافٍ إلَّا ما حُكي عن سعيد بن المسيِّب(١١) وأبي عبيدة بن عبد الله ابن مسعودٍ من القول بعدم جواز السَّلَم(١٢).
وعمدة هؤلاء حديث حكيم بن حزامٍ رضي الله عنه أنه قال: «يَا رَسُولَ اللهِ، يَأْتِينِي الرَّجُلُ فَيُرِيدُ مِنِّي البَيْعَ لَيْسَ عِنْدِي، أَفَأَبْتَاعُهُ لَهُ مِنَ السُّوقِ ؟» فَقَالَ: «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ»(١٣)، وعلى ذلك فاعتبار عقد السَّلَم من هذا القبيل يمنع العملَ به، ولأنَّ مشروعية السَّلَم منسوخةٌ بحديث حكيم بن حزامٍ المتقدِّم.
والصحيح ما استقرَّ عليه الإجماع، حيث كانوا يتعاملون بالسَّلَم على عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم والخليفتين من بعده من غير نكيرٍ منقولٍ عن أحدٍ منهم، فقد روى البخاري في «صحيحه» وغيرُه عن أبي المجالد قال: اختلف عبد الله ابن شدَّادِ بن الهاد وأبو بردة في السلف، فبعثوني إلى ابن أبي أوفى رضي الله عنهما فسألته فقال: «إِنَّا كُنَّا نُسْلِفُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فِي الحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ»(١٤).
ولأنَّ المعقود عليه في حديث حكيم بن حزامٍ رضي الله عنه مخصوصٌ على الأعيان أي: في النهي عن بيع عينٍ معيَّنةٍ ليست في مِلْكه، وذلك غررٌ وعقدٌ على غير مقدورٍ، بينما السَّلَم يتعلَّق بالذمم لا بالأعيان، لذلك فالنهي لم يتناوله أصلًا، ولا يصار إلى النسخ إلَّا مع تعذُّر الجمع وقد أمكن، كما أنه يُستبعد تصوُّر النسخ، لأنَّ آية الدَّين نزلت في أواخر حياة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بتسعة أيَّامٍ(١٥)، وقد صرَّح ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما أنها نزلت في السَّلَم خاصَّةً فقال: «أَشهد أنَّ السلف المضمون إلى أجلٍ مسمًّى قد أحلَّه الله في كتابه وأذن فيه»، ثمَّ قرأ هذه الآية(١٦).
٢- الحديث استعمل لفظ السلف وهو اختيار عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وكان يكره استعمال لفظ السَّلَم لِما في هذه الكلمة من معنى الإسلام، وهو الانقياد والإذعان لله عزَّ وجلَّ، فينبغي حصرُ استعماله في مواطن الخشوع والطاعة والإذعان(١٧).
والحقيقة أنَّ تسمية الفقهاء له بالسَّلَم أوضح في الدلالة على المراد وأبعد عن اللَّبس، لأنَّ السلف كما يُطلق على السَّلَم يُطلق أيضًا على القرض، لأنَّ اللفظين يعبِّران عن معنًى واحدٍ، وقد وردا على لسان الشارع في أحاديثَ منها: حديث أبي المنهال عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «..فَمَنْ أَسْلَمَ فَلْيُسْلِمْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ»(١٨)، وعلى ذلك يكون اختيار الفقهاء أوفق تسميةً للدلالة على المقصود عمليًّا، واختيار ابن عمر رضي الله عنهما محمولٌ على الإخلاص وأقربُ إلى الورع(١٩).
٣- وقوله: «مَنْ أَسْلَفَ فِي تَمْرٍ» فيه دليلٌ على جواز السَّلَم في التمر، وليس محصورًا فيه، بل الحديث أعمُّ وأشمل لمجيء رواياتٍ أخرى تدلُّ على جواز السَّلَم في الثمار والحنطة والشعير والزبيب وغير ذلك لقوله: «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ ...»(٢٠).
٤- وقوله: «فَلْيُسْلِفْ» فيه دليلٌ على اشتراط تسليم رأس المال وقبضه بمجلس العقد، لأنَّ السلف عبارةٌ عن بيعٍ عُجِّل ثمنُه وأُجِّل مثمنُه، ويؤكِّد هذا المعنى قوله: «إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ»، ففيه نصٌّ على تعجيل الثمن وتأجيل المبيع لئلَّا يصير من قبيل بيع دَينٍ بدَينٍ المنهيِّ عنه إجماعًا لحديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا: «نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الكَالِئِ بِالكَالِئِ»(٢١).
٥- الظاهر من الحديث أنَّ التسليف هو أن يعطيَ شيئًا في شيءٍ، وما ليس كذلك فهو وعدٌ بالسلف، لذلك اشترط الجمهور قبْضَ جميع رأس المال في المجلس، فإذا لم يقبضْ منه شيئًا في مجلس العقد لم يصحَّ عقد السَّلَم(٢٢).
ويرى مالكٌ رحمه الله -خلافًا للجمهور- بأنه يجوز تأخير قبض رأس المال إلى ثلاثة أيَّامٍ فما دونها ولو بشرطٍ في العقد(٢٣)، واستدلَّ على ما ذهب إليه بأنَّ عقد السَّلَم عقدُ معاوضةٍ لا يخرج بتأخير قبضه بأن يكون سلَمًا، فأشبه ما لو تأخَّر القبض إلى آخر المجلس، وكلُّ ما قارب الشيءَ يُعطى حُكْمَه، ولا يكون له بذلك حكم الكالئ(٢٤).
والظاهر أنَّ مفهوم التسليف في الحديث يشهد للجمهور على صحَّة قولهم من جهةٍ، وعدمُ إقباض رأس المال مع اشتراط تأجيل المُسْلَم فيه يؤدِّي إلى بيع دَينٍ بدَينٍ من جهةٍ أخرى، ولأنَّ السَّلَم -من جهةٍ ثالثةٍ- عقدُ معاوضةٍ أشبهُ بعقد الصرف، بجامع أنَّ كلًّا منهما لا يجوز فيه التأخير المطلق، والصرف لا يجوز فيه التفرُّق قبل القبض، فكذلك السَّلَم، أمَّا قياس الإمام مالكٍ ما بعد المجلس على آخر المجلس، فهو قياسٌ مع ظهور الفارق، فإنَّ أوَّل المجلس وآخره حكمهما واحدٌ بخلاف ما بعده، كالصرف فإنه لا يجوز تأخير التقابض فيه إلى ما بعد المجلس، في حينِ يجوز تأخيره ما دام المتعاقدان في المجلس.
٦- فيه دليلٌ مستنبَطٌ من دلالة النصِّ على اشتراط أن يكون البدلان مما يصحُّ النَّساء فيهما، فلا يجوز إسلاف الذهب والفضَّة: أحدِهما في الآخَر، لأنَّ ذلك رِبًا، وكذلك لا يجوز تسليم الطعام: بعضِه في بعضٍ على الإطلاق لأنه ربًا، وهذا شرطٌ مجمعٌ عليه(٢٥).
٧- الحديث لم يصرِّح باشتراط صفة الشيء المُسْلَم فيه، غيرَ أنه مستفادٌ من دلالة نصِّ الحديث، لأنَّ معرفة المبيع وزوال الجهالة عنه متوقِّفةٌ على صفة الشيء المُسْلَم فيه، صفةً تميِّزه عن غيره، ولأنه إن لم يكن معلوم الصفة كان من قبيل بيع المعدوم وهو غير جائزٍ، وهذا شرطٌ مجمعٌ عليه، وسكوت الرواة عنه لا يدلُّ على عدم اشتراطه، وكلُّ ما في الأمر أنهم لم يذكروه لتعامُلهم به، فتعرَّضوا لذكر ما كانوا يعملونه(٢٦).
٨- وقوله: «فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ»: احترازٌ بالكيل عن السَّلَم في الأعيان، فقد كانوا في المدينة حين قدم النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يُسْلِمون في ثمار النخيل بأعيانها، فنهاهم عن ذلك لِما فيه من الغرر، وما قد تصاب به النخيل من عاهةٍ(٢٧).
وقوله: «مَعْلُومٍ»: احترازٌ عن المجهول من المَكيل والموزون، لذلك يُشترط أن يكون أحد البدلين معلوم قدر المُسْلَم فيه بمكياله وميزانه الشرعيين(٢٨) إن كان من المكيلات أو الموزونات(٢٩)، أو بذرعه إن كان من المذروعات(٣٠)، أو بقدره إن كان من المعدودات(٣١)، وبهذا القول أخذ جمهور العلماء(٣٢)، وخالف الظاهرية في ذلك وقالوا بعدم جواز السَّلَم في الحيوان ولا في المذروع ولا في المعدود، عملًا بظاهر الحديث وتمسُّكًا بأصلهم في نفي القياس(٣٣).
وعمدة الجمهور النظرُ إلى سبب مشروعية الحكم الذي احتواه النصُّ، فإنه يقتضي شمولَ حكم السَّلَم فيما هو أعمُّ من المَكيل والموزون، لأنَّ الغرض الذي شُرع من أجله السَّلَم لا يمكن تحقيقه في حالة الاقتصار على الحكم المنصوص عليه، وعلى هذا يكون النصُّ ورد تنبيهًا على ما في معناه، لذلك أُلْحِق الذرع والعدد بالكيل والوزن للجامع بينهما وهو عدم الجهالة بالمقدار.
وتتجلَّى قوَّة مذهب الجمهور -في هذه المسألة- عملًا بالقياس الشرعي، ولِما تتَّسم به أحكام الشرع من شموليةٍ وتيسيرٍ على العباد، ولأنه حكمٌ مسايرٌ لسياق النصِّ الوارد، وعدم تعارُضه مع ما يدلُّ عليه.
٩- في الحديث بيانُ أنَّ السلف يجب أن يكون معلومًا بالأمر الذي يُضبط ولا يختلف، وأنه مهما كان مجهولًا بَطَل(٣٤).
١٠- الظاهر من الحديث أنَّ السَّلَم نوعٌ من أنواع البيوع يتضمَّن شروطًا خاصَّةً، وبهذا القول أخذ جمهور العلماء(٣٥)، وأنكر ابن حزمٍ والقمِّي من الحنفية أن يكون السَّلَم بيعًا، واعترضوا على الجمهور بما يلي:
- بأنَّ التسمية في الديانات ليست إلَّا لله عزَّ وجلَّ على لسان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وقد سمَّاه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم السلف أو التسليف أو السَّلَم.
- ولأنَّ للسَّلَم خصائصَ مغايرةً للبيع تظهر على الشكل التالي:
* أنَّ البيع يجوز بالدراهم والدنانير حالًّا وفي الذمَّة إلى غير أجلٍ مسمًّى وإلى ميسرةٍ، والسَّلَم لا يجوز إلَّا إلى أجلٍ مسمًّى.
* والبيع يجوز في كلِّ ممتلَكٍ لم يأتِ النصُّ بالنهي عن بيعه، ولا يجوز السَّلَم إلَّا في مكيلٍ أو موزونٍ فقط.
* والبيع لا يجوز فيما ليس عندك، والسَّلَم يجوز فيما ليس عندك.
* والبيع لا يجوز ألبتَّةَ إلَّا في شيءٍ بعينه، ولا يجوز السَّلَم في شيءٍ بعينه أصلًا.
لذلك اعتبر ابن حزمٍ رحمه الله وموافقوه السَّلَمَ معاملةً مستقلَّةً وليست بيعًا(٣٦).
وأرجح قولَيِ العلماء هو اعتبارُ السَّلَم نوعًا من أنواع البيوع، وأمَّا اعتراض الظاهرية بالاستدلال بتوقيف الشارع هذه التسميةَ فغيرُ مُسَلَّمٍ(٣٧)، حيث كانت هذه المعاملة مألوفةً عند أهل المدينة ومشتهرةً باسم السلف أو السَّلَم، وعند قدومه صلَّى الله عليه وسلَّم إلى المدينة أقرَّها وقيَّدها بأحكامٍ وشروطٍ من جهةٍ، وأنَّ اختلاف البلدان والأقطار في هذه التسمية -من جهةٍ ثانيةٍ- يؤكِّد أنَّ هذه التسمية اصطلاحيةٌ، إذ لو كانت توقيفيةً لكان الاسم واحدًا لكون واضع اللغات واحدًا، وعلى فرض التسليم بأنَّ التسمية توقيفيةٌ من الشارع فليس ثمَّةَ دلالةٌ على أنَّ السَّلَم ليس نوعًا من أنواع البيوع.
هذا، ويلاحَظ أنَّ ابن حزمٍ سَوَّى بين العِينة والسَّلَم في قوله: العينة هي السَّلَم نفسه، أو بيع السلعة إلى أجلٍ(٣٨)، وعلى فرض التسليم بهذه المساواة فإنَّ ذلك يستلزم أن يكون السَّلَمُ بيعًا لأنَّ العِينة بيعٌ وهي نفسه.
أمَّا خصائصُ ومميِّزاتُ السَّلَم وشرائطُه الخاصَّة به فلا تُخرجه من كونه بيعًا، فقد تُعرف شرعًا معاملاتٌ ماليةٌ تستقلُّ بشروطٍ خاصَّةٍ، ومع ذلك تبقى بيعًا، مثل بيعِ ربويٍّ بجنسه، فإنه يُشترط فيه المساواة والتقابض في مجلس العقد، وأيضًا الأجناس غير المنصوصة، ففي جريان الربا فيها شروطٌ ولم تخرج هذه المعاملات عن كونها بيعًا.
١١- الظاهر من الحديث أنَّ السَّلَم من عقود الغرر المنهيِّ عنها في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الغَرَرِ»(٣٩)، وحديث حكيم بن حزامٍ رضي الله عنه المتقدِّم: «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ»(٤٠)، غيرَ أنَّ عقد السَّلَم استُثني منها ترخيصًا للحاجة وتيسيرًا على الناس، فهو مُورَدٌ -في نظر الجمهور- على خلاف القياس(٤١)، أمَّا في نظر الشافعي(٤٢) وابن القيِّم(٤٣) ومن وافقهما فإنَّ عقد السَّلَم غير مُورَدٍ على خلاف القياس، لعدم تعداده من عقود الغرر أصلًا، واستدلَّ هؤلاء على أنَّ النهي الوارد في حديث أبي هريرة وحديث حكيم بن حزامٍ رضي الله عنهما لم يتناول مضمون حديث ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما في السَّلَم أصلًا بما يلي:
- أنَّ النهي موجَّهٌ على الأعيان دون ما كان في الذمَّة، بمعنى أنَّ المُسْلَم فيه لا يصحُّ أن يكون عينًا معيَّنةً، إنما يلزم أن يكون في الذمَّة.
- ولأنَّ الناهيَ في حديث حكيمٍ هو نفس الآمر، والأمر المطلق لا يتناوله النهي، لاستحالة أن يكون الشيء مأمورًا به ومنهيًّا عنه في آنٍ واحدٍ، لأنَّ النهي ضدُّ الأمر، والشيء لا يدخل في ضدِّه(٤٤).
- وبقياسه على المنافع في الإجارة بجامع انعدام أحد العوضين في كلٍّ منهما.
- وبالقياس -أيضًا- على الابتياع بثمنٍ مؤجَّلٍ، حيث لا فرْقَ بين كون أحد العوضين مؤجَّلًا في الذمَّة وبين الآخَر، فهو دَينٌ من الديون، ويدلُّ عليه قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ﴾ [البقرة: ٢٨٢]، وبمفهومه استدلَّ ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما على مشروعية السَّلَم، ولهذا فإنَّ السَّلَم من محض القياس والمصلحة(٤٥).
- وفي تقديري أنَّ المذهب الأخير أرجح، لأنه بغضِّ النظر عن أدلَّته المساقة للاستدلال على صحَّة مذهبهم، فيؤيِّده أنَّ السَّلَم كان على البراءة الأصلية، وهي استصحاب العدم الأصلي، وجاء الشارع مقرًّا لهذه المعاملة، وذلك عند قدوم النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى المدينة مهاجرًا، مع تقييدها بشروطٍ تفاديًا للمخاصمة والنزاع، وبقيت هذه الإباحة مستمرَّةً، في حين نجد أنَّ النهي في حديث حكيم ابن حزامٍ رضي الله عنه ورد بعد فترةٍ طويلةٍ، لكون هذا الصحابي من مُسْلِمة الفتح(٤٦)، وهو ما يؤكِّد عدم دخوله في النهي، ولا يمكن الاعتراض بقاعدة: «تَأَخُّرُ إِسْلَامِ الرَّاوِي لَا يَدُلُّ عَلَى تَأَخُّرِ الحَدِيثِ الَّذِي يَرْوِيهِ» لأنَّ لفظ الحديث صريحٌ في نفي سماعه من صحابيٍّ آخَرَ.
١٢- الظاهر من الحديث -أيضًا- أنَّ السَّلَم لا يقتصر على لفظ السَّلَم أو السلف في انعقاده، وإنما ينعقد بالألفاظ التي ينعقد بها البيع مع ذكر الشروط الخاصَّة به، لأنه نوعٌ من أنواع البيوع، وبهذا أخذ أبو حنيفة في أصحِّ الروايتين عنه، واختارها أبو يوسف ومحمَّدٌ والحنابلة، وهو وجه للشافعية، وتمسَّك آخَرون بلفظ السَّلَم أو السلف لانعقاد عقد السَّلَم، وهو روايةٌ عن أبي حنيفة واختارها زُفر، وبه أخذ الشافعية في أصحِّ الوجهين، مستدلِّين بأنَّ لفظ السَّلَم أخصُّ من لفظ البيع، ويجب اعتبار اللفظ في كلٍّ منهما، ولأنَّ السَّلَم رخصةٌ مستثناةٌ من بيعِ ما ليس عند الإنسان، فإذا ذُكر السَّلَم جاز بواسطةٍ وما عداه فهو فاسدٌ(٤٧).
والمختار مذهب الجمهور لأنَّ لفظ البيع إذا كان مقرونًا بشروط السَّلَم فقد دلَّ عليه، والعبرة بالمقاصد والمعاني دون الألفاظ والمباني، والقول بأنَّ السَّلَم مستثنًى من النهي في حديث حكيمٍ رضي الله عنه قد تقدَّم بيانه، وخلاصته أنَّ السَّلَم لا يشمله النهي أصلًا.
١٣- وفي قوله: «إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ»: دليلٌ على اشتراط العلم بالأجل، بمعنى أنه لو أسلم في شيءٍ مؤجَّلٍ يُشترط أن يكون الأجل معلومًا ومعيَّنًا بزمنٍ بعينه، بالسنين أو الشهور أو الأيَّام، فإن ذُكر أجلٌ مجهولٌ مثل الحصاد والعطاء وقدوم الحاجِّ فلا يصحُّ، ويؤيِّد هذا الرأيَ حديث ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما أنه قال: «لَا تَتَبَايَعُوا إِلَى الحَصَادِ وَالدِّيَاسِ(٤٨)، وَلَا تَتَبَايَعُوا إِلَّا إِلَى شَهْرٍ مَعْلُومٍ»(٤٩)، وبهذا القول أخذ أبو حنيفة والشافعي وأحمد في روايةٍ(٥٠).
وأجاز مالكٌ وأحمد في روايةٍ أخرى التأقيت بالمواسم التي يقلُّ الاختلاف فيها، كالحصاد ونحوه من الأوقات التي يقع فيها الأجل معروفًا في العادة(٥١)، وحجَّة هؤلاء أنَّ هذه المدَّة المضروبة تتعلَّق بوقتٍ من الزمن يُعرف عادةً ولا تتفاوت فيه تفاوتًا كثيرًا، فأشبه ما إذا قال إلى رأس السَّنة، ويؤيِّد هذا المذهب حديث عبد الله بن عمرٍو رضي الله عنهما: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ الإِبِلَ إِلَى خُرُوجِ المُصَدِّقِ(٥٢)»(٥٣)، ووجهه: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم جعل خروج المصدِّق أجلًا، وهو موسمٌ معلومٌ وليس له يومٌ معلومٌ، فدلَّ ذلك على جواز التأجيل لوقتٍ من الزمن يُعرف في العادة.
والمختار مذهب مالكٍ لأنَّ العمل بالدليلين أَوْلى لإمكانية التوفيق وانتفاء التعارض، لأنَّ الاختلاف في هذه الآجال يسيرٌ، والغرر اليسير معفوٌّ عنه في الشرع، فأشبه اختلاف الشهور من قِبَل الزيادة والنقصان، ومفهوم حديث الباب يُحمل على الاختلاف الكثير.
١٤- فيه دليلٌ على أنَّ السَّلَم يجوز فيما يكون منقطعًا في الحال، إذا حُدِّد له أجلٌ يوجد فيه غالبًا، فينقطع قبل مَحِلِّ الأجل ثمَّ يوجد عنده، وذلك لأنَّ التمر اسمٌ للرَّطْبِ واليابس في قول أكثر أهل العلم، وعند بعض أهل اللغة اسمٌ للرَّطْبِ خاصَّةً(٥٤).
ومعلومٌ أنَّ الرَّطْبَ لا يوجد في وقتٍ معلومٍ من السَّنة بل هو معدومٌ في أكثر أيَّام السنة، وبهذا القول أخذ مالكٌ والشافعيُّ وأحمد والظاهرية(٥٥).
وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى القول بعدم جواز السَّلَم فيما ينقطع قبله، بل لا بدَّ أن يكون موجودًا من العقد إلى محِلِّ الأجل(٥٦)، وعمدة هؤلاء حديث ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: «نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَأْكُلَ مِنْهُ أَوْ يُؤْكَلَ مِنْهُ وَحَتَّى يُوزَنَ»(٥٧)، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: «نَهَى عَنْ بَيْعِ النَّخْلَ حَتَّى يَصْلُحَ»(٥٨)، ووجهُ دلالة الحديثين النهيُ عن السَّلَم في النخل قبل بُدُوِّ صلاحها، وهو دليلٌ على عدم جواز السَّلَم في غير الموجود، ولأنَّ كلَّ زمنٍ يجوز أن يكون محلًّا للمُسْلَم فيه لموت المُسْلَم إليه، فيحُلُّ الدَّين فلا يوجد، فاعتُبر وجوده فيه كالمحلِّ.
والأَوْلى التمسُّك بالحديث في الجواز -وهو مذهب الجمهور- لأنَّ حديثَي ابن عبَّاسٍ وابن عمر رضي الله عنهم يمكن حملهما على بيع الأعيان، أو على السَّلَم الحالِّ كما عند الشافعية أو على السَّلَم إذا قَرُبَ أجلُه كما عند المالكية(٥٩).
أمَّا الدليل العقلي فهو أمرٌ موهومٌ، ولا سبيل إلى جعل الموهوم كالمحقَّق، لأنَّ ذلك يؤدِّي إلى إبطال العقود كلِّها(٦٠).
١٥- وفي قوله: «إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» -أيضًا- دليلٌ على اعتبار الأجل في السَّلَم ومنع السَّلَم الحالِّ، وهذه المسألة نتعرَّض لها في مواقف العلماء من هذا الحديث.
سادسًا: مواقف العلماء من الحديث:
أ- مذاهب العلماء:
اتَّفق العلماء على جواز السَّلَم المؤجَّل إلى أجلٍ معلومٍ، وأنَّ الأجل يجب أن يكون معلومًا في الجملة(٦١)، غيرَ أنهم اختلفوا في السَّلَم الحالِّ(٦٢) على مذهبين:
المذهب الأوَّل:
ذهب أبو حنيفة ومالكٌ وأحمد والأوزاعي والظاهرية إلى إشتراط تأجيل المُسْلَم فيه، بمعنى عدم صحَّة السَّلَم الحالِّ(٦٣).
المذهب الثاني:
ذهب الشافعي(٦٤) وبعض المالكية(٦٥) إلى صحَّة السَّلَم الحالِّ، وعدم اشتراط تأجيل المُسْلَم فيه، وبه قال أبو ثورٍ وابن المنذر.
وسنتعرَّض لأدلَّة المذهبين أوَّلًا، ثمَّ نعقبها بالمناقشة وبيان سبب الخلاف ثانيًا، على ما يأتي:
ب - أدلَّة المذهبين السابقين:
أدلَّة مذهب الجمهور:
استدلَّ جمهور العلماء على عدم صحَّة السَّلَم الحالِّ بالكتاب والسنَّة والأثر والقياس والمعقول:
- أمَّا بالكتاب: فبقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ﴾ [البقرة: ٢٨٢].
وجه الدلالة: أنَّ الآية أكَّدت بيانًا لحكم السَّلَم أنه دَيْنٌ إلى أجلٍ مسمًّى، وهي إشارةٌ صريحةٌ إلى عدم صحَّة السَّلَم الحالِّ.
- أمَّا بالسنَّة: فبحديث الباب عند قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ».
ووجه دلالة الحديث: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم لمَّا أقرَّ السَّلَم قيَّده بشروطٍ، ومن بينها الكيل والوزن والأجل، فإذا كان السَّلَم لا يصحُّ عند انتفاء الكيل والوزن فلا يصحُّ عند انتفاء الأجل إذ لا قائلَ بالفصل.
- ومن جهةٍ أخرى، فإنَّ الأمر المجرَّد عن القرائن يفيد الوجوبَ، وقد صدر منه صلَّى الله عليه وسلَّم ما يفيد الوجوبية عند أمره بالأجل، وهذا تبيانٌ لاشتراطه لصحَّة السَّلَم(٦٦).
- أمَّا بالأثر: فبما أخرجه عبد الرزَّاق في «المصنَّف» من حديث ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما أنه قال: «لَا تُسْلِفْ إِلَى العَطَاءِ وَلَا إِلَى الحَصَادِ وَاضْرِبْ أَجَلًا»(٦٧).
- وبما أخرجه عبد الرزَّاق -أيضًا- من حديث أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه قال: «السَّلَم بِمَا يُقَوَّمُ بِهِ السِّعْرُ رِبًا، وَلَكِنْ أَسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ»(٦٨).
- أمَّا بالقياس: فقد ألحقوا تأجيل السَّلَم بالتأجيل في الكتابة، بجامع الفرق في الأجل، ولَمَّا كان الأجل في الكتابة شرطًا رفقًا بالرقيق أُلحق به التأجيل في السَّلَم من هذه الناحية(٦٩).
- وأمَّا من المعقول: فقد استدلُّوا بما يلي:
- بأنَّ السَّلَم أبيح رخصةً للرفق، ولا يحصل الرفق إلَّا بالأجل، فإذا انتفى الأجل انتفى الرفق، وإذا انتفى الرفق انتفى سبب مشروعية السَّلَم فلا يصحُّ(٧٠).
- بأنَّ الحلول يُخرج السَّلَم عن اسمه ومسمَّاه، ذلك لأنه يُسمَّى سلَمًا وسلفًا لتقديم أحد البدلين في مجلس العقد وتأجيل الآخَر، وأمَّا مسمَّاه فهو ما تقرَّر أعلاه من أنَّ الشارع رخَّص فيه للحاجة الداعية إليه، أمَّا مع وجوده حالًّا فتنتفي الحاجة إلى السَّلَم فلا يجوز(٧١).
- بأنَّ عدم الأجل يلزم منه أن يكون بيعًا للمعدوم ولم يرخَّص فيه إلَّا في السَّلَم، ولا فرْقَ بينه وبين البيع إلَّا الأجل(٧٢).
أدلَّة مذهب الشافعية:
استدلَّ هؤلاء بالسنَّة والقياس:
- أمَّا بالسنَّة فاستدلُّوا بما يلي:
بما أخرجه البيهقي وغيره من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «اشْتَرَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَزُورًا(٧٣) مِنْ أَعْرَابِيٍّ بَوَسْقِ تَمْرِ عَجْوَةٍ(٧٤)، فَطَلَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ أَهْلِهِ تَمْرًا فَلَمْ يَجِدْهُ، ..فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ وَبَعَثَ بالأَعْرَابِيِّ مَعَ الرَّسُولِ فَقَالَ: «قُلْ لَهَا: إِنِّي ابْتَعْتُ هَذَا الجَزُورَ مِنْ هَذَا الأَعْرَابِيِّ بِوَسْقِ تَمْرِ عَجْوَةٍ فَلَمْ أَجِدْهُ عِنْدَ أَهْلِي فَأَسْلِفِينِي وَسْقَ تَمْرِ عَجْوِةٍ لِهَذَا الأَعْرَابِيِّ»، فَلَمَّا قَبَضَ الأَعْرَابِيُّ حَقَّهُ رَجَعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ..فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُولَئِكَ خِيَارُ النَّاسِ المُوفُونَ المُطَيِّبُونَ»(٧٥).
وجه دلالة الحديث: أنَّ تعامُل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بالشراء الحالِّ مع أنَّ التمر كان موصوفًا في الذمَّة من غير تقييدٍ بأجلٍ يفيد جواز السَّلَم الحالِّ(٧٦).
- وبما أخرجه البيهقي -أيضًا- من حديث طارق بن عبدالله المحاربي الطويل وفيه: فَبَيْنَا نَحْنُ قُعُودٌ إِذْ أَتَانَا رَجُلٌ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ فَسَلَّمَ عَلَيْنَا، ..فَقَالَ: تَبِيعُونِي الجَمَلَ، قُلْنَا: نَعَمْ، فَقَالَ: بِكَمْ ؟ فَقُلْنَا: بِكَذَا وَكَذَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، قَالَ: قَدْ أَخَذْتُهُ، ..فَذَهَبَ بِهِ حَتَّى تَوَارَى فِي حِيطَانِ المَدِينَةِ، ..فَلَمَّا كَانَ العَشِيُّ أَتَانَا رَجُلٌ ..قَالَ: «أَنَا رَسُولُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ هَذَا التَّمْرِ حَتَّى تَشْبَعُوا، وَتَكْتَالُوا حَتَّى تَسْتَوْفُوا»(٧٧).
وجه دلالة الحديث أنه يفيد -كسابقه- جوازَ السَّلَم حالًّا في الذمَّة إلى غير أجلٍ، وفعلُه صلَّى الله عليه وسلَّم يدلُّ على الجواز(٧٨).
- أمَّا استدلالهم بالقياس فتمثَّل في الوجهين التاليين:
الوجه الأوَّل: قياس السَّلَم الحالِّ على السَّلَم المؤجَّل بطريق الأَوْلى، وذلك أنه إذا جاز بيعُ موصوفٍ إلى أجلٍ فبيعُه حالًّا أجوزُ، ومن الغرر والخطر أبعدُ، وهو مجامعٌ له في أنه مضمونٌ له على بائعه بصفةٍ(٧٩).
الوجه الثاني: قياس السَّلَم الحالِّ على بيع الأعيان، بجامع أنَّ كلًّا منهما عقدُ معاوضةٍ، وإذا كان بيعُ الأعيان يجوز حالًّا فإنَّ السَّلَم يُلحق به(٨٠).
ج - مناقشة الأدلَّة السابقة:
نبتدئ بمناقشة أدلَّة الجمهور أوَّلًا، ثمَّ نعقبها بمناقشة أدلَّة الشافعية وموافقيهم ثانيًا.
أوَّلًا: مناقشة أدلَّة الجمهور:
- عمدة الجمهور النقلية هو ذكرُ الأجل شرطًا لصحَّة السَّلَم المأخوذ من آية الدَّين وحديث ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما، وهو استدلالٌ معترَضٌ بأنَّ المراد من الأجل المعلوم هو العلم بالأجل لا الأجل نفسُه، فيكون معناه إن كان السلم بأجلٍ فليكن الأجل معلومًا، كما أنَّ الكيل والوزن المذكورين في الحديث ليسا بشرطٍ، لأنه لو كان على وجه الشرط لَما جاز السَّلَم إلَّا في المكيل أو الموزون، وقد تقدَّم جوازه في المذروعات والمعدودات وغيرهما، وعلى هذا فذكرُ الكيل معلومًا والوزن معلومًا لا يدلُّ على الاشتراط، كلُّ ما في الأمر أنَّ الحديث يفيد أنَّ من أسلم في مكيلٍ فليكن كيلًا معلومًا، أو في موزونٍ فليكن وزنًا معلومًا، ومن هنا يُفْهَم أنَّ المراد من الحديث أنَّ من أسلم فيما يكال أو يوزن يجب عليه بيانُ الكيل أو الوزن وكذا الأجل(٨١).
- وأمَّا الآثار الموقوفة فليست حجَّةً في ذاتها، ولا دلالةَ فيها على عدم جواز السَّلَم الحالِّ، بل هي خارجةٌ عن محلِّ النزاع، لتعلُّقها بالتأقيت إلى الحصاد والعطاء، ومرادُ إيجاب الأجل فيها هو العلمُ بالأجل على ما تقدَّم بيانه.
- وأمَّا القياس على الكتابة فهو قياسٌ مع ظهور الفارق، لأنَّ تعيُّن التأجيل في الكتابة لانتفاء قدرة الرقيق غالبًا، والحلول ينافي ذلك(٨٢).
- ودليلهم العقلي غير منتهضٍ، لأنَّ الحلول لا يُخرج السَّلَمَ عن اسمه ومسمَّاه، لأنَّ المُسْلَم فيه موصوفٌ في ذمَّة المُسْلَم إليه حقًّا للمُسْلِم، والحالُّ أعجل من المؤجَّل، ولا يتمُّ التسليم بخروجه عن مسمَّاه -وهو الرفق المقترن بالتأجيل- لأنَّ إطلاق السَّلَم من قيد التأجيل له فائدته في جواز العقد مع غيبة المبيع حيث يرتفق البائع بعدم فوات الصفقة عليه، ويرتفق المشتري بحصول الأمن من فسخ العقد في حالة تلف السلعة أو ظهور عيبٍ فيها، لأنَّ العقد متعلِّقٌ بالذمَّة، وما ثبت بالذمَّة يُلْزَم العاقد به، وبذلك يتحقَّق المقتضي للحكم في السَّلَم الحالِّ وهو الرفق بالناس.
ثانيًا: مناقشة أدلَّة الشافعية:
اعترض الجمهور على الأدلَّة النقلية والعقلية التي أوردها الشافعية، وسنتناول اعتراضهم على الدليل النقلي أوَّلًا، ثمَّ على الدليل العقلي ثانيًا، مع مناقشة هذه الاعتراضات.
١- يظهر الاعتراض على الدليل النقلي فيما يلي:
- بخصوص حديث عائشة رضي الله عنها فقد اعترض عليه ابن حزمٍ بما وجهه:
- أنه لا حجَّة فيه على جواز بيع السَّلَم الحالِّ، لأنَّ البيع الذي أجراه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مع الأعرابيِّ غير تامٍّ لعدم مفارقتهما لمجلس العقد، فجاء به رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى منزله فلم يجده، فلمَّا لم يفهم عنه الأعرابيُّ استقرض من خولة بنت حكيمٍ، فصحَّ أنه صلَّى الله عليه وسلَّم حينئذٍ أمضى معه العقدَ المحدود، وتمَّ البيع بحضور الثمن وقبضِ الأعرابيِّ، فكان هذا بيع حاضرٍ بحاضرٍ وليس بيعَ سَلَمٍ(٨٣).
- ظاهر الخبر أنه حجَّةٌ على الحنفية والمالكية لأنهم يَرَوْن أنَّ البيعَ يتمُّ قبل التفرُّق(٨٤)، أمَّا اعتراض ابن حزمٍ فمخالفٌ لنصِّ الرواية، وتأويلُها بهذا الشكل لا تحتمله، لأنَّ الحديث صريحٌ في أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم بعث الأعرابيَّ مع الرسول إلى خولة بنت حكيمٍ رضي الله عنها، وفي رواية ابن حزمٍ نفسها قوله: فقالت: أَرْسِلْ رَسُولًا يَأْتِي يَأْخُذُهُ، فَقَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ: «انْطَلِقْ مَعَهُ حَتَّى يُوفِيَكَ»، وهذا النصُّ ظاهرٌ في أنَّ الأعرابيَّ قد فارق مجلس العقد، والتمرُ غير حاضرٍ، وعلى هذا يتَّضح أنَّ الدَّين كان في ذمَّة الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم من وقت المفارقة من مجلس العقد إلى وقت القبض.
- وتمثَّل اعتراض ابن حزمٍ على الاستدلال بحديث طارق بن عبد الله المحاربي رضي الله عنه في أنه لا حجَّةَ فيه من جهتين:
- الجهة الأولى: أنه ليس فيه دليلٌ على أنَّ الذي اشترى الجملَ هو رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ولا أنه علم بصفقة ابتياعه، والأظهر أنَّ غيره كان المبتاع، بدليل قول طارقٍ بأنه رأى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مرَّتين، فلو كان صلَّى الله عليه وسلَّم هو الذي ابتاع الجملَ لكان قد رآه ثلاث مرَّاتٍ وهذا خلاف الخبر، فصحَّ أنه كان غيرَه، ولا حجَّة في عمل غيره.
- الجهة الثانية: على فرض التسليم أنَّ المشتريَ هو النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وعلم الأمر ولم ينكره، لكان حديث ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما بإيجاب الأجل زائدًا عليه زيادةً يلزم إضافتها إليه ولا يحقُّ تركُها(٨٥).
وعندي أنَّ اعتراض ابن حزمٍ غير قويٍّ: إذ لا يمكن التذرُّع بعدم الدليل على أنَّ الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم كان أحد العاقدين ولا عَلم بالبيع، فهذا تشكيكٌ يندفع بصراحة النصِّ في أنه صلَّى الله عليه وسلَّم بعث إليهم بالتمر وأمرهم أن يأكلوا من هذا التمر حتى يشبعوا، ويكتالوا حتى يستوفوا، وقد استوفَوْا من ثمن الجمل الذي كان موصوفًا في ذمَّته صلَّى الله عليه وسلَّم.
وعلى فرض التسليم بأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم ليس هو الذي اشترى الجمل ولا علم بصفة ابتياعه، فإنَّ عمل غيره أضيف إلى زمانه صلَّى الله عليه وسلَّم ووقع في عهده ومحيطه، ويُستبعد في العادة أن يخفى عليه، فهو كإقراره(٨٦)، وإقرارُه حجَّةٌ، إذ لو كانت هذه المعاملة منهيًّا عنها لنبَّه الوحي على ذلك.
- وحديث ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما بإيجاب الأجل زائدًا عليه فلا دلالةَ لهذه الزيادة في اشتراط الأجل لِما تقدَّم من أنَّ المراد هو العلم بالأجل لا نفسُ الأجل.
٢- يظهر الاعتراض على الدليل العقلي فيما يلي:
في أنَّ الاستدلال بالقياس على السَّلَم المؤجَّلِ معترَضٌ على صحَّته من ناحيتين:
- الناحية الأولى: أنَّ المقتضيَ للحكم بصحَّة السَّلَم المؤجَّل ليس هو البعد عن الغرر والخطر كما أورده الشافعي، بل هو الرفق المصحوب بالتأجيل، ولذلك يتعذَّر القياس، بالنظر إلى أنَّ المقتضيَ للحكم في الأصل غير موجودٍ في الفرع.
- الناحية الثانية: وهي ما ذكره الصنعاني بما نصُّه: «إلحاق الحالِّ بالمؤجَّل قياسٌ على ما خالف القياسَ، لأنَّ السَّلَم خالف القياسَ إذ هو بيعُ معدومٍ وعقدُ غررٍ»(٨٧).
- والناحية الأولى قد نوقشت قريبًا، وحاصل الجواب أنَّ الرفق كما هو ثابتٌ في السَّلَم المؤجَّل فثابتٌ -أيضًا- في السَّلَم الحالِّ.
- وأمَّا الناحية الثانية فلا يتمُّ التسليم بدعوى ثبوت السَّلَم على خلاف القياس، بل هو من محض القياس والمصلحة، على نحو ما بيَّنَّاه قريبًا(٨٨).
- في الاستدلال بالقياس على بيوع الأعيان، وتمثَّل اعتراضهم في أنَّ بيوع الأعيان لم تَرِدْ على خلاف الأصل بخلاف السَّلَم وما فارق بينهما إلَّا الأجلُ.
والجواب أنَّ السَّلَم ثبت على وفق القياس ومحض المصلحة على وفق ما تقدَّم، كما يكفي مقصد السَّلَم وصيغته في التفريق بينهما.
د - سبب اختلاف العلماء:
يرجع سبب اختلاف العلماء في نظري إلى المسائل التالية:
- هل موجَب عقود المعاوضات التسويةُ بين الثمن والمبيع أو التفريق بينهما ؟(٨٩).
- هل الأمر في الحديث يتضمَّن شرط الأجل نفسه أم العلم بالأجل ؟
- هل السَّلَم الحالُّ واردٌ على خلاف القياس والمقتضي للحكم، أم أنه على وفق القياس والمقتضي للحكم ؟
- فمن رأى أنَّ موجَب عقود المعاوضات هو التفرقة بين الثمن والمبيع(٩٠)، لأنَّ الثمن هو حكم العقد وموجَبه، وليس داخلًا في حقيقته، بخلاف المبيع الذي هو ركن العقد، ومحلُّ إضافة الصيغة إليه لاستحالة وجود العقد بدونه، ورأى أنَّ المعنيَّ بالحديث هو الأجل نفسُه مع العلم بتحديده، ورأى أنَّ السَّلَم الحالَّ واردٌ على خلاف القياس والمقتضي للحكم -الذي هو الرفق المقترن بالتأجيل- قال: بعدم جواز السَّلَم الحالِّ.
- ومن رأى أنَّ موجَب عقود المعاوضات هو التسوية بين الثمن والمبيع ذاتًا(٩١) ووصفًا(٩٢) وحكمًا(٩٣) لاستواء العاقدين في مناط استحقاق النظر لهما ووجوب رفع الضرر عنهما، باعتبار أنَّ شرعية العقد لمصلحتهما، ورأى أنَّ الأمر في الحديث يتضمَّن شرط العلم بالأجل دون الأجل نفسه، ورأى أنَّ السَّلَم الحالَّ واردٌ على وفق القياس والمقتضي للحكم قال: بجواز السَّلَم الحالِّ.
ﻫ- الترجيح:
والمختار القول بجواز السَّلَم الحالِّ، لعدم ورود دليلٍ يدلُّ على اعتبار وجوب الأجل، وعلى ذلك فلا يلزم التعبُّد بحكمٍ بدون معرفة دليله، فإذا انتفى هذا الاعتبار انتفى معه المنع، ولأنَّ المبادلاتِ التجاريةَ الحاضرة مبنيَّةٌ على السرعة والائتمان، وجاريةٌ على صفة السَّلَم الحالِّ، وذلك بتحويل الثمن مع طلب إرسال السلعة المعيَّنة مقدارًا وصفةً، ولا يخفى أنَّ تكليفهم بالتأجيل إلى شهرٍ أو دونه أو إلى تغيير الأسواق أو بالشراء بعد رؤية العين المبيعة ممَّا يُحدث حرجًا وضيقًا وعسرًا على طائفةٍ كبيرةٍ من الناس، والحرج مدفوعٌ بنصِّ الشرع، ولذلك يتعيَّن القول بجواز السَّلَم الحالِّ، وهو ما ذهبت إليه الشافعية وبعض المالكية، وهو من اختيارات ابن تيمية(٩٤) والشوكاني(٩٥) وغيرهما من المحقِّقين.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلَّم تسليمًا.
(١) أخرجه البخاري (٤/ ٤٢٨)، ومسلم (١١/ ٤١)، وأبو داود (٣/ ٧٤١-٧٤٢)، والترمذي (٦/ ٤٨)، والنسائي (٧/ ٢٩٠)، وابن ماجه (٢/ ٧٦)، والدارقطني (٣/ ٣-٤)، والبيهقي (٦/ ١٨)، وأحمد (١/ ٢١٧، ٢٢٢، ٢٨٢، ٣٥٨).
(٢) انظر ترجمته وأحاديثه في: «مسند أحمد» (١/ ٢١٤)، «طبقات ابن سعد» (٢/ ٣٦٥)، «التاريخ الكبير» (٥/ ٣) و«التاريخ الصغير» (١/ ١٥٣) كلاهما للبخاري، «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (٥/ ١١٦)، «مستدرك الحاكم» (٣/ ٥٣٣)، «طبقات الشيرازي» (٤٨)، «الاستيعاب» لابن عبد البرِّ (٣/ ٩٣٣)، «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي (١/ ١٧٣)، «شرح السنَّة» للبغوي (١٤/ ١٤٤)، «جامع الأصول» لابن الأثير (٩/ ٦٣)، «أسد الغابة» (٣/ ١٩٢) و«الكامل» (٤/ ٢٩٦) كلاهما لابن الأثير، «وفيات الأعيان» لابن خلِّكان (٣/ ٦٢)، «سير أعلام النبلاء» (٣/ ٣٣١) و«طبقات القرَّاء» (١/ ٤٥) و«الكاشف» (٢/ ١٠٠) و«دول الإسلام» (١/ ٥١) كلُّها للذهبي، «مرآة الجنان» لليافعي (١/ ١٤٣)، «البداية والنهاية» لابن كثير (٨/ ٢٩٥)، «مجمع الزوائد» للهيثمي (٩/ ٢٧٥)، «الإصابة» (٢/ ٣٣٠) و«تهذيب التهذيب» (٥/ ٢٧٦) كلاهما لابن حجر، «طبقات الحفَّاظ» للسيوطي (١٨)، «شذرات الذهب» لابن العماد (١/ ٧٥)، «الرياض المستطابة» للعامري (١٩٨)، «الفكر السامي» للحجوي (١/ ٢/ ٢٧٢)، «تاريخ التراث» لسزكين (١/ ٤٣)، ومؤلَّفنا: «الإعلام بمنثور تراجم المشاهير والأعلام» (٢١٧).
(٣) المراد بهم أربعةٌ من الصحابة رضي الله عنهم كلٌّ منهم اسمه عبد الله: ابن عمر، ابن عبَّاسٍ، ابن الزبير، ابن عمرو بن العاص.
(٤) «الباعث الحثيث» (١٨٢-١٨٤).
(٥) «لسان العرب» لابن منظور (٢/ ١٨٥-١٩٣).
(٦) «تحفة الفقهاء» للسمرقندي (٢/ ٥).
(٧) «صحيح مسلم بشرح النووي» (١١/ ٤١)، «نيل الأوطار» للشوكاني (٦/ ٣٨٩)، «سبل السلام» للصنعاني (٢/ ٤٠).
(٨) «المغني» لابن قدامة (٤/ ٣٠٤)، «غاية المنتهى» (٢/ ٧١)، «صحيح مسلم بشرح النووي» (١١/ ٤١)، اختلف الفقهاء في تعريف السَّلَم شرعًا، ومبنى اختلافهم نظرة بعضهم إلى ماهية العقد فقط عند التعريف أو النظر إلى الماهية والشروط الخاصَّة به من جهةٍ، ومن جهةٍ ثانيةٍ عدمُ اتِّفاقهم في الشروط الخاصَّة بالعقد.
(٩) انظر: «شرح مسلم» للنووي (١١/ ٤٢)، «سبل السلام» للصنعاني (٢/ ٤٩).
(١٠) انظر: «شرح مسلم» للنووي (١١/ ٤٢)، «إحكام الأحكام» لابن دقيق العيد (٣/ ١٥٧)، «فتح الباري» لابن حجر (٤/ ٤٢٩)، «حاشية السندي» (٧/ ٢٩٠-٢٩١).
(١١) انظر: «صحيح مسلم» للنووي (١١/ ٤١)، «فتح الباري» لابن حجر (٤/ ٤٢٨) ، «نيل الأوطار» للشوكاني (٦/ ٣٨٩)، «المغني» لابن قدامة (٤/ ٣٠٤)، «إحكام الأحكام» لابن دقيق العيد (٣/ ١٥٥).
(١٢) انظر: «المحلَّى» لابن حزم (٩/ ١٠٦).
(١٣) أخرجه أبو داود (٣/ ٧٦٩)، والترمذي (٥/ ٢٤١)، والنسائي (٧/ ٢٨٩)، وابن ماجه (٢/ ٧٣٧)، والبيهقي (٥/ ٢٦٧، ٣١٧، ٣٣٩)، وأحمد (٣/ ٤٠٢-٤٠٣)، وحسَّنه الترمذي وصحَّحه ابن حزم في «المحلَّى» (٨/ ٥١٩).
(١٤) أخرجه البخاري (٤/ ٤٢٩)، وأبوداود (٣/ ٧٤٢-٧٤٣)، والنسائي (٧/ ٢٩٠)، وابن ماجه (٢/ ٧٦٦).
(١٥) انظر: «الإتقان» للسيوطي (١/ ٣٦)، «مناهل العرفان» للزرقاني (١/ ٩٧).
(١٦) أخرجه الشافعي في «الأمِّ» (٣/ ٩٣-٩٤)، وعبد الرزَّاق في «المصنَّف» (٨/ ٤)، والحاكم في «المستدرك» (٢/ ٢٨٦)، والبيهقي (٦/ ١٨-١٩)، والشافعي في «مسنده» (١٣٨-١٣٩)، وروى الحديث -أيضًا- ابن أبي شيبة في «مصنَّفه» والطبراني في «معجمه» من حديث همَّامٍ عن قتادة، «نصب الراية» للزيلعي (٤/ ٤٤-٤٥)، «الدراية» لابن حجر (٢/ ١٥٩)، وقد علَّق الحديثَ الإمامُ البخاري وأوضحه ابن حجر في «تغليق التعليق»، «التلخيص الحبير» لابن حجر (٣/ ٣٢)، قال الحاكم: حديثٌ صحيحٌ على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
(١٧) انظر: «لسان العرب» لابن منظور (٢/ ١٩٣)، «مواهب الجليل» للحطَّاب (٤/ ٥١٤).
(١٨) أخرجه إسحاق بن راهويه في «مسنده» (٨٣٢)، وذكره ابن حزم في «المحلَّى» (٩/ ١٠٦)، وانظر: «الإرواء» للألباني (١٣٨٠).
(١٩) انظر: «المحلَّى» لابن حزم (٩/ ١٠٥-١٠٦)، «تفسير القرطبي» (٣/ ٣٧٩)، «جامع الأصول» لابن الأثير (١/ ٥٨٣)، «مواهب الجليل» للحطَّاب (٤/ ٥١٤)، «حاشية البناني» (٥/ ٢٠٤).
(٢٠) «صحيح البخاري» (٤/ ٤٢٩).
(٢١) أخرجه الدارقطني (٣/ ٧١-٧٢)، البيهقي (٥/ ٢٩٠)، الحاكم في «المستدرك» (٢/ ٥٧)، وقال: صحيحٌ على شرط مسلم ووافقه الذهبي، وإسناده ضعيفٌ، انظر «نصب الراية» للزيلعي (٤/ ٣٩-٤٠)، «الدراية» لابن حجر (٢/ ١٥٧)، «إرواء الغليل» للألباني (٥/ ٢٢٠-٢٢١)، قال الإمام أحمد: ليس في هذا حديثٌ يصحُّ، لكنَّ إجماع الناس على أنه لا يجوز بيع دَينٍ بدَينٍ، انظر «التلخيص الحبير» لابن حجر (٣/ ٢٦-٢٧).
(٢٢) يلاحظ أنَّ نفس هؤلاء العلماء يختلفون في قبض بعض رأس المال في المجلس والبعض الآخر بعد التفرُّق، والعقد بهذه الصورة باطلٌ عند الظاهرية ووجهٌ عند الشافعية والحنابلة، جائزٌ عند أبي حنيفة وأصحُّ الوجهين عند الشافعية والحنابلة فيما تمَّ قبضُه في المجلس وباطلٌ ما عداه، انظر: «تحفة الفقهاء» للسمرقندي (٢/ ٨-٩)، «البدائع» للكاساني (٥/ ٢٠٢)، «المهذَّب» للشيرازي (١/ ٣٠٨)، «المغني» لابن قدامة (٤/ ٣٢٨)، «الكافي» لابن قدامة (٢/ ١١٥)، «المحلَّى» لابن حزم (٩/ ١١٠).
(٢٣) وعند مالكٍ أنه إذا أخَّر رأس المال عن ثلاثة أيَّامٍ فإن كان التأخير بشرطٍ فسد السَّلَم اتِّفاقًا، وإن كان التأخير بلا شرطٍ فقولان عنه: قولٌ بفساد السَّلَم وقولٌ بعدم فساده، والمشهور المعتمد أنَّ التأخير الزائد فوق الثلاث -كثيرًا كان أو قليلًا- بدون شرطٍ يُفسد العقدَ، انظر: «المدوَّنة» لابن القاسم (٤/ ١٣٨)، «الكافي» لابن عبد البرِّ (٣٣٧)، «القوانين الفقهية» (٢٦٠)، «مواهب الجليل» للحطَّاب (٤/ ٥١٥).
(٢٤) انظر: «المنتقى» للباجي (٤/ ٣٢٨)، «المغني» لابن قدامة (٤/ ٣٢٨).
(٢٥) انظر: «بداية المجتهد» لابن رشد (٢/ ٢٠٢)، «تحفة الفقهاء» للسمرقندي (٢/ ٩)، «البدائع» للكاساني (٥/ ١٨٦ و٢١٤)، «القوانين الفقهية» لابن جُزَيٍّ (٢٥٩).
(٢٦) انظر: «شرح الترمذي» لابن العربي (٦/ ٤٩)، «تفسير القرطبي» (٣/ ٣٧٨)، «فتح الباري» لابن حجر (٤/ ٤٣٠)، «سبل السلام» للصنعاني (٢/ ٤٩).
(٢٧) انظر: «نيل الأوطار» للشوكاني (٦/ ٣٨٩).
(٢٨) فإن تعذَّر تقديره شرعًا فإنه يُقدَّر عرفًا.
(٢٩) انظر: «شرح صحيح مسلم» للنووي (١١/ ٤٢)، «فتح الباري» لابن حجر (٤/ ٤٣٠)، «نيل الأوطار» للشوكاني (٦/ ٣٨٩)، «إحكام الأحكام» لابن دقيق العيد (٣/ ١٥٦)، «سبل السلام» للصنعاني (٢/ ٤٩)، «المغني» لابن قدامة (٤/ ٣١٨)، «شرح السنَّة» للبغوي (٨/ ١٧٤)، «القوانين الفقهية» لابن جُزَيٍّ (٢٦٠).
(٣٠) المذروعات كالثياب والبُسُط ونحوهما.
(٣١) المعدودات: تنقسم إلى متقاربةٍ ومتفاوتةٍ؛ انظر تفصيل ذلك في: «المغني» (٤/ ٣٢٠)، «البدائع» للكاساني (٥/ ٢٠٨)، «المهذَّب» للشيرازي (١/ ٣٠٦).
(٣٢) ادَّعى ابن بطَّالٍ الإجماعَ على أنه إن كان فيما لا يكال ولا يوزن فلا بدَّ فيه من عددٍ معلومٍ، انظر: «فتح الباري» لابن حجر (٤/ ٤٣٠)، «سبل السلام» لل